Wednesday, March 26, 2008

طريقة حياة

"أحس بالدفء والاكتمال عندما أسمح لنفسي أو أعطى نفسي الفرصة كي أحس أن شخص ما يهتم بى ويقبلني ويعجب بى ويقرظني . وقد كان هذا صعب جدا على بسبب عناصر معينة في تاريخي الشخصي. ولفترة طويلة كنت أنزع إلى أن أنحى هذه المشاعر جانبا وربما بشكل الى ، كنت أبعد أي مشاعر إيجابية توجه نحوى. وكان رد فعلى هو أنا ، لا يمكن أن تكون مهتما بى حقا .ربما تحب ما أفعل . ربما تعجب بانجازاتي . لكن ليس أنا "


هذه الكلمات الصادقة هي ما دفعتني لتكملة هذا الكتاب – كتاب طريقة حياة لكارل روجرز – ربما لا يعلم أحدكم كم من الصعب أن يعترف معالج نفسي بالضعف والاحتياج – مطلوب منا كمعالجين نفسين أن نظهر للكل بأننا لا نعانى من أي مشاعر فقد أو حزن ، إلا وستنطلق العبارة الشهيرة- باب النجار مخلع- لم يخجل كارل روجرز في كتابه الثرى أن يعلن ضعفه ومحاولاته للنمو الشخصي ، ذلك النمو الذي رآه مرات ينمو في المجموعات وفى الجلسات الفردية مع مرضاه .


كارل روجرز لمن لا يعرفه عالم نفس أمريكي ، داوم على الحرب ضد كل ما يسلب الإنسان مشاعره ، خاض معارك في ميدان العلاج ، دخلها مع علمي الطب والطب النفسى اللذين حاولا أن يمنعا الأخصائيين النفسيين من علاج المرضى .وعندما كان روجرز في الخامسة والسبعين من عمره قاد مجموعات تتكون من فئات من الناس في محاولات بناء المجتمع . كان يؤمن أن الجماعات التي تعنى بالشخص توفر أداة قوية لحل الصراعات البشرية سواء على المستوى القومى أو الدولى .


كان لديه رسالة تتلخص كما يقول فى كتابه " لقد توصلت الى الثقة فى قدرة الاشخاص على استكشاف وفهم أنفسهم ومشاكلهم وحلها فى أى علاقة مستمرة وثيقة أستطيع من خلالها توفير مناخ من الدفئ والتفهم. وأنا على استعداد للمغامرة بوضع نفس الثقة فى مجموعة العمل معى من أجل خلق مناخ يكون كل فرد فيه مسئولا عن تصرفات الجماعة ككل وحيث تتحمل الجماعة مسئوليتها تجاه كل فرد . لقد تقلدت السلطة وسأتخلى عنها بالكامل للمجموعة" .


لم يكن ما يقوله روجرز مجرد كلام نظرى نشر فى كتاب منذ سبعينيات القرن الماضى ، إنما طريقة حياة أرتضى أن يعيشها ورسالة آمن بها ودعا إليها عبر ورش عمله التى شملت الاطباء والقادة والمدرسين ، كان يحلم بعمل يراعى إمكانيات الفرد كلها من معارف وقدرات ومشاعر ، كان يحلم بالتغيير لكل منا ..حلم التغيير الذى يراود العشرات من رواده الذين ما زالوا يحملون رسالته الآن بعد موته بربع قرن .


فى حلمى بالتغيير أستند إلى حلم ذلك الرجل النبيل مؤمنه بقدرة كل منا فى تغيير نفسه ومساعدة آخرين – فقط إذا استمعنا لأصواتنا الداخلية وتعاملنا معها وأطلقنا العنان لمشاعرنا المكبوته وتحدثنا عنها وسمعنا مشاعر أخريين دون وعظ


تحية إلى روح هذا الرجل وتحية إلى مكتبة دار الكلمة التى تعيد نشر وترجمة إصدات كارل روجرز وغيره من رواد علم النفس الحالمين بالتغيير.

Saturday, March 22, 2008

لو بطلنا نسمع نموت

أتذكر تلك المرات التى تغلبنى فيها تلقائيتى وأتحدث أمام البعض عن فكرة جديدة ، حلم ، موقف، لكننى اواجه فى كل مرة بالرفض وعدم القبول ، كثيرا ما تغلبنا الوحدة والثقل فى الروح ، نشعر بالرغبة فى الحكى ، نرفع سماعة التليفون نطلب أقرب صديق ، نظل نحكى بدون انقطاع ، نبكى ، حتى نرتاح ، بعض منا يباغته الحظ فى صديق مستمع ، والبعض الآخر سيجده محاولا نصحه ، والتخفيف عليه بشكل سبى .

تخيل نفسك تحكى عن افتقادك للحب ، وعن حلمك بمن تحب ، وشعورك بالوحدة الذى يتفاقم يوميا ، وثقل ينمو فى الروح ، فى المنتصف تماما، ويكاد يخنقك ، وتجد هذا الصديق قد حاول التخفيف عنك ناصحا إياك بتذكر الأشياء الايجابيه فى حياتك ، والتفكير فى أى شىء آخر غير الحب ، وكلما حاولت العودة لنفس النقطة شغلك عنها محاولا تكملة الحديث فى أى إتجاه آخر مقتنعا بأنه الآن سيريحك ، تخيل معى هذا الصديق و قد أستمع فقط إليك ، لم يحاول أن يعظك أو يدعى التخفيف عنك ، فقط أستمع إليك محترما كل ما تمر به ـ لدرجه أنك اطمأننت وأخرجت كل شىء بداخلك وشعرت بالتخفف من الحمل.

كم ستبدو مرتاحا وقتها دون الاضطرار إلى كتم غضبك حتى لا تنفجر فى صديقك متهما إياه بالتدخل فى حياتك ، رغم أنك أنت المتصل ، محتملا ما سيصفك به وقتها من جنون .

ربما أشارك بخبرتى فى تلك الحالة من السكينة والهدوء بعد أن يستمع إلى أحدهم ..مجرد أن يستمع فقط دون مقاطعة ..يستمع بشىء من الحميمية ، يقترب منى ، من تلك المساحة التى أخاف كشفها أمام الناس ، يقبلنى بكل ما فى من أخطاء دون محاولة لتغييرى، لا يمكننى وصف الراحة التى أبدو فيها وقتها.

كثيرة هى المرات التى قررت
فيها التخلى عن فكرة ، لمجرد أنى وجدت من يستمع إليها دون ان ينقدها معطيا لى الفرصة الكاملة لتأملها مستبعدة إياها من حسابى.

فقط علينا أن نستمع إلى بعضنا مؤجلين رغباتنا الصغيرة فى تغيير الآخريين..مؤمنين أن التغيير الحقيقى يبدأ بالاستماع إلى الآخر وقبوله كما هو..سنموت حقا لو لم نجد من يستمع إلينا.

"عندما أتوقف عن التدخل فى حياة الناس فإنهم يعتنون بأنفسهم . وعندما أتوقف عن أمر الناس فإنهم يحسنون سلوكهم وعندما أتوقف عن وعظ الناس يطورون أنفسهم . وعندما أتوقف عن فرض نفسى على الناس فإنهم يصيرون أنفسهم"*

كارل روجرز- طريقة حياة- دار الكلمة
*